محمد فودة يكتب عن كوكب الشرق :نصف قرن على رحيل الست وإبداعها لا يزال عابرا للأجيال

محمد فودة,مصر,القاهرة,31 ديسمبر,كليب,مميزة,الأولى,العالم,الدقهلية,محمد فودة يكتب,الظهور,باريس,البيئة

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب عن "كوكب الشرق": نصف قرن على رحيل "الست" وإبداعها لا يزال عابرًا للأجيال

الشورى

عبقرية متفردة فى "الشخصية".. ونجومية استثنائية فى الغناء 

كيف حاربت محمد عبد الوهاب قبل لحن "إنت عمرى" على يد أحمد رامى؟

هزمت منيرة المهدية بـ"الضربة القاضية".. واستحقت لقب "سيدة الغناء العربى" 

لماذا وصفها العندليب بالمعجزة فى مذكراته؟

سر منعها من الظهور بعد ثورة يوليو  وكيف استعادت مكانتها الغنائية؟

على الرغم من مرور نصف قرن من الزمان على رحيل كوكب الشرق والنجمة الاستثنائية فى تاريخ الطرب أم كلثوم، فإن ذكراها العطرة حاضرة بقوة فى كل زمان ومكان من المحيط إلى الخليج، ورغم كل هذه السنوات على رحيلها فإنها لاتزال تعيش فى وجدان كل عربى من مختلف الأجيال وكل من استمع إلى صوتها وكل من عاش معها لحظات الحب والرومانسية أو حتى لحظات التوهج الوطنى من خلال أغنياتها الوطنية الرائعة، وللحق فإن أم كلثوم ستظل أيقونة متفردة عابرة للأجيال، وكلما مرت السنون زاد تعلق الناس بفنها الأصيل، فقد استطاعت وبعبقرية وإبداع منقطع النظير أن تكون علامة فارقة فى كل الأزمنة التى عاصرتها ومظهرا من مظاهر فوران العصر والنهضة والبعث العربى، إذ كانت شخصية واعية ومنخرطة فى مشروع وطنى وقومى يشمل السياسة والاقتصاد والتعليم والفن"، فقد عاصرت أم كلثوم فترات انتقالية مهمة، إذ بدأت مع بداية عصر التسجيل الصوتى وعايشت زهوة عصر السماع للراديو وصولًا إلى بداية عصر الصورة.

لكن بعيدا عن فن أم كلثوم وتراثها فمن يبحث فى حياتها، يجد أنها امرأة لا تعترف بالعاطفة ولم يشغل بالها الحب كأخريات، بل ذات شخصية قوية، لا تحب الهزيمة ولا المشاعر فى العمل، هى فى الواقع عكس ما كانت تبدو عليه فى المسرح عندما تغنى بمشاعر قد تكون صادقة فى «الأطلال» أو «فات الميعاد» أو «ثورة الشك»، ولعل أحمد رامى ومحمد القصبجى اللذين لم يجنيا من حبهما لها سوى العذاب دليل على ذلك، وكوكب الشرق لم تشغلها منافسة منيرة المهدية (السلطانة) أو فتحية أحمد أو من ظهروا معها، إذ استطاعت أن تأخذ منها القصبجى والسنباطى بسهولة، فقط موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب هو من عملت له الست «ألف حساب»، كونه المنافس الوحيد لها.. وفى عام 1927 كانت الحرب والمنافسة بينهما على أشدها هو يغنى وهى تغنى، هو يحيى حفلا كل أسبوع وكذلك هى، قبل هذا العام كانت لا توجد خلافات بين موسيقار الأجيال والست، حيث كان يلتقيان فى منزل جد الموسيقار عمر خيرت، فى شارع قدرى بالسيدة زينب، وتغنى معها ديالوج من أوبريت «العشرة الطيبة» كلمات بديع خيرى، وألحان فنان الشعب سيد درويش، يقول: «على قد الليل ما يطول مسترضى بسهرى ونوحى، فى حبك ياللى من أول ما أشوفك تترد روحى» كان ذلك مطلع العشرينيات.

وللحق فإن منافسة أم كلثوم لعبد الوهاب كان يعرفها الجميع واستخدمت الست فيها جميع أسلحتها لخطف الأغانى من عبد الوهاب، لتبقى فى القمة، فمثلا عندما كتب شاعر الشباب أحمد رامى «أغنية سهران لوحدى» خصيصا لمحمد عبد الوهاب ولحن جزءا كبيرا منها، ضغطت الست على رامى ليأخذها من عبد الوهاب وتغنيها هى ورضخ الشاعر للست بأمر الحب وأخذ الأغنية من صديقه وأعطاها لأم كلثوم التى كلفّت رياض السنباطى بتلحينها.. أيضا لحّن موسيقار الأجيال طقطوقة تقول كلماتها: «قال إيه حلف ما يكلمنيش.. ده بس كلام والفعل مافيش»، وطلب من الست غناءها لكنها رفضت، وقدمت مذهبها للموسيقار محمد القصبجى ولحنها وسجلتها الست فى شركة أسطوانات جرامافون، واستمرت المنافسة أو الحرب بين كوكب الشرق وموسيقار الأجيال حتى قبل ثورة يوليو بـ 3 أعوام، وذات مرة أثناء احتفالات الدولة بأعياد 23 يوليو تصادف وجود عبدالوهاب مع أم كلثوم أثناء تحية الزعيم جمال عبدالناصر، وبمجرد أن شاهدهما الزعيم قال لهما: «لن أغفر لكما عدم اشتراككما فى عمل فنى واحد»، وجاء التعاون الكبير بينهما عام 1964 فى أغنية «إنت عمرى» كلمات أحمد شفيق كامل، التى كان من المفترض أن يغنيها عبد الوهاب لكنه أعطاها للست وتوقف موسيقار الأجيال عن الغناء وترك الست تواجه العندليب.

وإحقاقا للحق فإن عبد الحليم كان يعترف بعبقرية الست وعبد الوهاب، ولم يخش منافستهما وكان يقف بجوارهما جنبا إلى جنب،  وقال فى مذكراته : "فى عام 1963 كنت أغنى كعادتى فى عيد الثورة، وجاء موعد العشاء وجلست بجانب أم كلثوم وعبد الوهاب وعبد الحكيم عامر، وقمت من مكانى وقلت للزعيم جمال عبد الناصر، غير معقول نبقى عايشين فى عصر به معجزتان ولم يقدما عملا مشتركا، وبتصور إن سيادتك تصدر قرارًا جمهوريًا علشان عبد الوهاب يلحن لأم كلثوم، والاثنان عمالقة.. فضحك عبد الناصر وقال لو كان الفن بيتعمل بالأوامر كنت أصدرت أمر بالحكاية دى من زمان، فرد عبد الوهاب اعتبر الأمر صدر يا أفندم ورحبت أم كلثوم وقالت قوى قوى".

ولعل شخصية أم كلثوم تضعنا فى حيرة شديدة من حيث استمرارية الإقبال على أغانيها من كافة الأعمار والأجيال، فبرغم التنوع الشديد للأغنية العربية المعاصرة وارتباطها بالفيديو كليب والجوانب التكنولوجية الحديثة، إضافة لما يصاحبها من مساحات مشهدية هائلة، فإن المستمع العربى يعود سيرته الأولى إلى الإقبال على سماع أغانى أم كلثوم، والانتقال من الحالة البصرية للأغنية العربية المعاصرة إلى الحالة السمعية الخاصة بأم كلثوم، كما أن ظاهرة أم كلثوم تؤكد من جديد أن الفن لا يحتاج إلى وسيط، وإحقاقا للحق فإن مسيرة أم كلثوم الفنية تضع أيدينا على شخصية فريدة من نوعها جديرة بأن تفجر بداخلنا مساحات من الطاقة الإيجابية خاصة أن الطريق أمامها لم يكن مفروشًا بالورود بل إنه كان مليئًا بالأشواك والعراقيل.

أم كلثوم هى فاطمة بنت الشيخ إبراهيم السيد البلتاجى المعروفة باسم أم كلثوم وقد ولدت فى 31 ديسمبر من عام 1898 بقرية طماى الزهايرة فى محافظة الدقهلية.. تربَّت فى بيئة فقيرة لأب كان إمام جامع القرية وأمٍّ اهتمت بتربية أم كلثوم وشقيقيها، بدأت فى عمر صغير التجوال مع والدها مؤدية الأغانى فى أفراح القرية وقارئة الآيات القرآنية فى المناسبات الدينية، وكان والدها يقدمها على أنها صبى ففى ذلك الوقت لم يكن مسموحا للمرأة بأن تقرأ القرآن علنًا فى المناسبات، وفى عمر السابعة بدأ يذيع صيتها وبدأت تغنى فى بيوت الأثرياء الذين أُعجبوا بقوة صوتها وأدائها لدرجة أنها حصلت فى إحدى المرات على عشرة قروش كإكرامية، وهو مبلغٌ كان يساوى وقتها نصف مرتب والدها، وشيئًا فشيئًا بدأت أم كلثوم التجول فى قرى ومدن محافظات الدلتا لتغنى فى مختلف المناسبات الدينية والعائلية وفى عمر السادسة عشرة لاحظ موهبتها الفذة المغنى والملحن الشهير أبوالعلا محمد، وعازف العود زكريا أحمد، والذى دعاها إلى القاهرة، وفى أوائل عشرينيات القرن الماضى، وتحديدًا فى عام 1923 قبلت الدعوة وانتقلت عائلتها إلى القاهرة ليتاح لها أن تبدأ مسيرتها نحو الشهرة والنجومية، وبدأت بأخذ دروس الموسيقى وغالبًا مع أساتذة خصوصيين؛ لأن النادى الموسيقى الشرقى فى القاهرة لم يكن يقبل إناثًا بين طلابه فى ذلك الوقت، وبمجرد أن بدأت تقدم العروض الموسيقية تحولت إلى ظاهرة مميزة لجمهور القاهرة الذين لقبوها بـ"البدوية" نظرًا لخلفيتها الريفية وأدائها الموسيقى التقليدى بالإضافة إلى ملابسها التى تعكس البيئة التى تنتمى إليها، فقد كانت ترتدى ملابس من تراث بيئتها الريفية.

ومن العلامات المضيئة فى مسيرة كوكب الشرق أم كلثوم أن حفلاتها الموسيقية كل خميس والتى كانت تُبث إذاعيًا إلى كل أنحاء الشرق الأوسط كانت محط اهتمام الجماهير التى كانت تنصت بانتباه لكل كلمة وتموج فى هذا الصوت الجميل، وتحليلات أدائها كانت تحتل مساحة واسعة فى نقاشاتهم، مما أكسبها لقب "صوت مصر"، وكانت أم كلثوم على علاقة جيدة مع الملك فاروق، ولها 14 أغنية أطلق عليها الفاروقيات، بعد ثورة 1952، تم إبعادها عن الوسط الفنى وتم منع أغانيها من الإذاعة المصرية بصفتها من العهد البائد فقررت الاعتزال، ولكن عادت للغناء بعد شهرين من المنع، بعد تدخل القيادة السياسية فى ذلك الوقت، وفى عام 1967 قدمت للمرة الأولى حفلة خارج العالم العربى فى باريس وفى تلك السنة قامت بجولة عربية شملت مدنًا مثل بغداد ودمشق وبيروت وطرابلس لدعم صورة مصر بعد نكسة ٦٧ حيث حملت جواز سفر دبلوماسيًا وكانت تقدم الحفلات وترسل إيراداتها إلى الخزانة المصرية، فقد كانت فى ذلك الوقت بمثابة سفيرة لمصر والعرب.