لم يتبق سوى أن تخصص المنصات الإعلامية الرصينة ومصادر الأخبار التقليدية بابا دائما وفقرة ثابتة تخصصها لمعول ا

مصر,سوشيال ميديا,السودان,الأولى,الأرض,العالم,أحداث,النيل,المواطنين,زلزال,الحدود,مياه

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
سامر رجب يكتب: الـ"سوشيال ميديا" تتوحش في حرب السودان

سامر رجب يكتب: الـ"سوشيال ميديا" تتوحش في حرب السودان

لم يتبق سوى أن تخصص المنصات الإعلامية الرصينة ومصادر الأخبار التقليدية باباً دائماً وفقرة ثابتة تخصصها لمعول الـ"سوشيال ميديا" المخصص لهدم العلاقات الدولية والموجه لبث الفرقة الإقليمية والمتخصص في التدخل السريع في كل أزمة متفجرة أو شبح حرب تلوح في الأفق بغرض إحماء فتيلها وتسريع اشتعالها والتأكد من تفجيرها وانتشار شظاياها على أوسع نطاق ممكن يتعدى حدود الأثير العنكبوتي.

مياه الصراع العكرة :

الأحداث في السودان ليست استثناء. وبعيداً عن كلاسيكيات "أثر تدوينات المواطنين وفيديوهات المارة وإفادات المواطن الصحافي عما يحدث على الأرض" التي أصبحت متلازمة كل حرب أهلية تلوح في أفق "الربيع العربي"، فإن منصات التواصل الاجتماعي، أو بالأحرى كتائب وميليشيات وأفراد ناشطة على هذه التطبيقات وغيرها من بقايا المنصات التلفزيونية التي تم تدشينها قبل سنوات قليلة بهدف النفخ في النيران، تعمل منذ اللحظات الأولى لتفجر الأحداث الدامية لتمضي قدماً على طريق تحقيق الهدف: بث الفرقة ونشر الفتنة والصيد في مياه الصراع العكرة لإحداث شقاق بين مصر والسودان، الدولتين المصنفتين على مدار صفحات طويلة من التاريخ والجغرافيا والعلاقات الاجتماعية والتركيبة الديموغرافية باعتبارهما "شقيقتين" تتفقان وتختلفان بحكم طبيعة الحياة، وتتقاربان وتتباعدان بفعل السياسة حيناً، وتمضيان قدماً في هدوء وتناغم أحياناً، ولا يخلو الأمر من تعثر بفعل تدخلات دولية هنا أو تطفلات إقليمية هناك سرعان ما تنقشع وتعود الأمور إلى أصلها المتناغم.

لكن في عصر إقحام الـ"سوشيال ميديا" نفسها عسى أن تكون مكوناً من مكونات والعلاقات بين البلاد، وقدراتها على توجيه رأي عام العباد، يطل الجانب "الشرير" من منصات التواصل الاجتماعي في كل مصيبة لينفث دخان الفرقة منتفعاً من الأزمة ومغتنماً الكارثة.

ظلال الأثير :

كارثة الأحداث في السودان لا تقتصر على ما يجري على أرض الواقع، لكنها تمتد إلى ظلالها على الأثير العنكبوتي، وهي الظلال التي يقتنصها هواة ومحترفو ومرتزقة إشعال الفتنة. مقاطع فيديو وتدوينات فيسبوكية وتغريدات وصور على غيرها من منصات التواصل الاجتماعي يجري بثها على الأثير وكأنها عمليات منظمة تنتظر اللحظة السانحة والفرصة الفارقة من أجل الانتشار.

مقاطع فيديو الجنود المصريين الذين كانوا محتجزين في السودان بعد اندلاع الصراع المفاجئ والمدوي، التي انتشرت انتشاراً فيروسياً ليست المكون الوحيد في جهود إحماء الاحتقان غير المرغوب فيه بين مصر والسودان. لكن طريقة عمل المتصيدين على منصات الإنترنت المختلفة تحت ظهورهم في هذا التوقيت. ووراء كل توقيت غاية، وفي كل غاية رغبة محمومة لإشعال فتنة.

شد وجذب الجنود:

فتنة "فيديو" الجنود المصريين، التي أثارت شداً وجذباً على هامش الحدث الأصلي، الذي يتمثل في شبح الحرب الأهلية الذي يحوم بقوة في الأفق السوداني المصحوب بمشاهد مروعة من جثامين في الشوارع وخروج مستشفيات عن الخدمة وقلق وهلع المدنيين من نقص الغذاء. ناهيك عن غد غامض مفتوح على كل الاحتمالات، أعادت تسليط الضوء على أثر السوشيال ميديا في إشعال الأزمات السياسية وإذكاء الفتن العنكبوتية.

مهنة أو هواية إزعاج الناس، والمهام الوظيفية المتمثلة في نثر الكراهية وبث الضغينة وإشاعة الصدع والشقاق تطل برأسها مجدداً. مهارات المهنة أو الهواية تتطلب تقديم محتوى الكراهية والفتنة وكأنه من بنات أفكار "المتصيد" أو "الناشط" أو حتى المتبرع بنشر الكراهية. أزمة الجنود المصريين وفرت أرضاً خصبة للقيام بالمهمة، لا سيما في ظل احتدام الوضع في السودان، واحتقان المشاعر في مصر جراء محتوى فيديو الجنود.

محتوى سريع الاشتعال

تعرف دراسة أكاديمية عنوانها "توقع دور المتصيدين السياسيين في السوشيال ميديا" (2019) فإن متصيدي الإنترنت مستخدمون في مجتمع الـ(أون لاين) مهمتهم العراك والتسبب في إزعاج بقية المستخدمين وإثارة قلقهم، والغرض هو زرع الفتنة عبر نشر محتوى سريع الاشتعال. وفي السنوات الأخيرة بزغ دور ما يسمى مزارع المتصيدين المنظمة المتخصصة في التلاعب بالرأي العام السياسي". 

التلاعب بالرأي العام السياسي في زمن هيمنة منصات التواصل الاجتماعي لا يتوقف عند حدود التأثير على الرأي العام المحلي، بل يمتد ليؤثر في الرأي العام عابراً الحدود. أليس العالم قرية صغيرة يوحدها الأثير؟! وبعد شهر عسل قصير ظنت خلاله البشرية أن منصات التواصل الاجتماعي خير مطلق ومنافع بلا حدود ودمقرطة شعبية محمودة، يطل الوجه الآخر بشروره طيلة الوقت، لكن إطلالته تتكثف ويتفاقم خطرها في أوقات الأزمات والمصائب والكوارث حيث الدق على المشاعر الملتهبة واستغلال المخاوف المتفاقمة يؤتي ثماراً مضاعفة على صعيد الفتنة والكراهية والفرقة.

وتشير الدراسة إلى أن وعد السوشيال ميديا بدمقرطة المحتوى وتمكين المستخدم العادي من المشاركة في صناعته تصحبه محاولات وجهود شريرة عديدة لنشر معلومات مغلوطة وآراء مصنوعة خصيصاً لتكون مشحونة عاطفياً وقادرة على الدغدغة العاطفية لمشاعر الجموع الغفيرة من المستخدمين، لا سيما الواقعين أصلاً في براثن أزمة أو كارثة كبرى طبيعية مثل زلزال أو فيضان أو من صنع الإنسان مثل الحروب والصراعات.

الصراع الذي تفجر في السودان قبل أيام تصحبه تفجيرات عنكبوتية عدة، ومحاولات عديدة من جهات مختلفة يحاول كل منها تحقيق مآرب مؤجلة أو مجهضة أو مجمدة جددت الأحداث أمل إحيائها.

فرصة لمعاودة القفز:

منصات عنكبوتية وبقايا مؤسسات إعلامية تابعة لجماعة الإخوان المسلمين وجدت في أحداث السودان الدامية فرصة جديدة لمعاودة القفز وبث ما يسميه البعض "بث سموم الإسلام السياسي" و"النيل من مصر ونظامها وشعبها عقاباً لهما على التخلص من حكم الجماعة". فما هي إلا ثوان معدودة بعد بدء انتشار فيديو الجنود المصريين في السودان، حتى نشطت هذه المنصات والمؤسسات، وأغلبها ارتدى فجأة ومن دون سابق إنذار جلباب الوطنية المصرية وعباءة "كرامة الجيش"، وهما الجلباب والعباءة المنبوذان والمتقزمان دائماً وأبداً أمام "مانيفستو" الجماعة، حيث الأولوية لمنهجها والأفضلية لتمكين مرشدها وأعضائها.

استخدام "غير مسؤول"

استخدام السوشيال ميديا الذي يمكن وصفه بـ"غير المسؤول" من قبل البعض في أزمة السودان الحالية يسطر فصلاً جديداً من فصول منصات التواصل الاجتماعي. لم تعد الـ"سوشيال ميديا" محركات ثورات وحركات احتجاج "ربيعية" فقط، كما لم تكتف بدورها غير المعلن كمحرك خفي لتوجيه الرأي العام لنصرة طرف على حساب آخر، وتمردت على الغرض السامي المعلن من كونها أداة تمكين معلوماتي ووسيلة لحرية التعبير للجميع، أو قدرتها على أن تكون أداة سلام ووسيلة حرب، بل تقدم نفسها معولاً من معاول هدم العلاقات بين الدول وفلز إضافي من فلزات إشعال الحمم الوطنية وفيضانات الاحتقان العابرة للحدود. أما الرهان الحقيقي الحالي، فيبقى على رجاحة عقل الشعوب المنكوبة وحسن اختيار التوقيت والظروف في الدول المجاورة. ويطالب البعض بأن تلعب "دبلوماسية المنصات" دوراً في تهدئة الأوضاع لا إشعالها، لا سيما أن السودان ودول الجوار يجمعها التاريخ وتوحدها الجغرافيا وليس من المنطقي أن تفرقها تدوينة شاطحة أو تغريدة جانحة أو طوفان مقاطع فيديو ما أنزل الله به من سلطان.