المطربون الجدد فقاقيع هواء ولا علاقة لهم بالطرب الأصيلسيظل سفراء الأغنية الحقيقيون هم قاهر الزمن عمرو دي

حفلات,محمد منير,مصر,حب,رياح,قانون,الأولى,الهضبة,عمرو دياب,العالم,الكينج,الظهور,الجمهور,مقاول,الحدود

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة

محمد فودة يكتب: محنة الغناء المصرى

الشورى

◄المطربون الجدد "فقاقيع هواء" ولا علاقة لهم بالطرب الأصيل

◄سيظل سفراء الأغنية الحقيقيون هم "قاهر الزمن" عمرو دياب و"الكينج" محمد منير وشيرين عبد الوهاب وأنغام

◄"ويجز" ومطربو المهرجانات يرتكبون جرائم مكتملة الأركان يعاقب عليها قانون"الذوق العام"

◄"الريادة الغنائية" فى خطر.. و"هوليوود الشرق" على كف عفريت

  قوة مصر الناعمة كانت ولا تزال تمثل الركيزة الأساسية فى خلق تلك المكانة المرموقة التى تتبوأها مصر على المستوى الدولى فى مجالات الفنون والإبداع بمختلف أنواعه وأشكاله ، فقد كانت مصر إلى وقت قريب تسمى بـ «هوليوود الشرق»، حينما كانت بمثابة القبلة التى يحج إليها عشاق الفنون الذين يفدون إليها من مختلف أنحاء العالم العربى، مما جعلها بمثابة تأشيرة الدخول المعتمدة لعالم الشهرة والتألق الذى ينشده عشاق الفنون والثقافة والآداب. لقد كانت مصر بالفعل منارة الفن والثقافة، حتى إن اللهجة المصرية انتشرت فى جميع البلاد العربية بسبب أفلام ومسلسلات وأغانى الفنانين والفنانات المصريين، بل كانت أم كلثوم وعبدالوهاب وعبدالحليم حافظ سفراء لمصر فى العالم كله، بفضل فنهم الراقى، وقدرتهم الفائقة على الإبداع والتألق فى هذا المجال.

ولكن فى غفلة من الزمن تبدلت أحوال الفن المصرى واختفى تدريجيا الطرب الأصيل، وأصبح السؤال القائم الذى يتبادر إلى ذهنى: من سيستلم الراية بعد جيل عمرو دياب ومحمد منير وشيرين عبد الوهاب وأنغام؟ أعتقد أنه لا يوجد لدينا من يحمل على كتفيه راية الطرب المصرى والنجومية، فما يحدث فى الأغنية المصرية الآن من ويجز وأصحاب المهرجانات يعد جريمة مكتملة الأركان يعاقب عليها قانون الذوق العام ، يتم ارتكابها فى حق هوليوود الشرق، لا لشىء إلا للتخلص نهائيًا مما تبقى لنا من ريادة فى هذا المجال الذى لم يكن ينافسنا فيه أحد فى المنطقة من قبل، إلى أن ظهرت من حولنا تلك الفقاعات الهوائية مثل ويجز الذى وصفته سابقا بـ"أنه مقاول هدم الأغنية المصرية"، فما يقدمه ليست أغانى بمعناها المفهوم والمشمول، ولا يمكن تعريفها ولا إدراجها تحت بند "أغانى" فهى لا تمت للأغنية بأية صلة لأن الأغانى المصرية لها تاريخ عريق، وعلى مدى تاريخها لم نجد هذا النوع المستفز من الغناء ومن الظهور بهذا الشكل اللافت وغير الحضارى على المسرح، لذلك أقولها لنقيب المهن الموسيقية النجم مصطفى كامل: لماذا لا يتم ردع كل من تسول له نفسه العبث بالأغنية المصرية واللعب بالهوية؟! أتمنى أن تكون هناك إجراءات رادعة وحاسمة من نقابة الموسيقيين ضده، سواء لظهوره بالأزياء الغريبة على المسرح أو طريقة غنائه، وهذا ما يجعلنى أقول: هل اقتصر الغناء على ويجز وأصبح هو من يمثل مصر؟! بالطبع لا وأبدا لن يكون، فمهما انتشرت موجات الغناء الهابط ومهما تصدرت أغانى "ويجز" أو "المهرجانات" المشهد فإنه لا يصح إلا الصحيح حيث ستظل الأغنية الراقية هى صمام الأمان لساحة الغناء فى مصر.

 

ويؤسفنى أن أقول وبكل صراحة إن الطرب المصرى فى محنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى بل ويتعرض أيضاً لأكبر خطر حيث لا يوجد من يرفع رأس الطرب المصرى فى الجيل الجديد، ولكن عزائى الوحيد أن لدينا فنانين كبارا ونجوما لا ينافسهم أحد فى هذه النجومية، ففى مجال الغناء الذى أبدع فيه من قبل كبار نجوم الغناء، نجد الآن عمرو دياب «الهضبة»، ومحمد منير «الكينج» يتصدران المشهد فى قوة وثبات، ولا يمكن لأحد بأى حال من الأحوال أن ينال من نجوميتهما وكذلك النجمتان شيرين عبد الوهاب وأنغام، وعلى الرغم من رجوع الطرب المصرى إلى الخلف فإننى على يقين بأننا قادرون على المواجهة، مادمنا نمتلك هذه الكتيبة المتميزة من الفنانين الكبار، ومادامت لدينا رموز ونجوم كانوا وما زالوا يمثلون حائط الصد الأول، فهؤلاء النجوم أراهم بكل تأكيد نموذجًا مشرفًا للفن المصرى القادر على التحدى، والمتمكن من تخطى العثرات، وتجاوز فترات الترهل التى قد تكون قد أصابته بالوهن، وأتمنى ألا تستمر هذه الفترة طويلاً باعتبارها نتيجة ظروف متشابكة، وهنا لابد أن نضع فى أذهاننا ونحن نتحدث عن عمرو دياب، وشيرين وأنغام ومحمد منير أننا نتحدث عن سفراء حقيقيين لنا فى الخارج، فهم لهم جمهورهم الكبير فى شتى أنحاء العالم، بل إنهم يعبرون بصدق عن فن وتاريخ وحضارة مصر، ففنهم يحمل رسالة للعالم أجمع بأن دولة لها حضارة وتاريخ مثل مصر ستظل فى الصدارة مهما تعرضت لحملات تشكيك وتشويه متعمدة، وحينما أتحدث عن عمرو دياب أو كما يحلو لى دائماً أن ألقبه بـ "قاهر الزمن" فهو بالفعل يستحق هذا اللقب وعن جدارة لأنه وبكل تأكيد استطاع أن يقهر الزمن ويصبح فى حالة شباب دائم وحيوية مستمرة على الرغم من أنه واجه من الحروب ما يدمر كيانات فنية، فإنه بفضل إيمانه بعمله وقناعته بما يفعله من تطوير، وارتقاء فى أسلوبه الفنى، ظل راسخا بأقدامه الثابتة فوق قمة الغناء المصرى، ليظل عمرو دياب أسطورة تتفجر حولها الشموس، وتتطاير نورًا ونارًا وخلودًا، وللحق فإن قيمة عمرو  دياب الحقيقية تتجلى فى أنه يعرف جيداً مواطن القوة والثراء فى الأغنية المصرية وبالتالى فهو يمتلك القدرة على كيفية الوصول إليها بكل بساطة وسهولة وينتقى أجمل ما فيها ليحتفظ دائما بشبابها من أجل أن تصل إلى الناس طازجة دافئة بدون شوائب وهذا سر قدرة أغانيه على الصمود والوقوف فى وجه العديد والعديد من موجات الأغانى الهابطة التى حملت معانى وأسماء ما أنزل الله بها من سلطان، ليس هذا فحسب بل إنه نجح أيضاً وببراعة فى الوصول إلى أعلى حالات الأغنية المصرية شكلا ومضمونا، فكان همه الأول والأخير هو تحديث الطرب المصرى سواء من ناحية الموسيقى أو اختيار الكلمات الراقية التى تعبر عن شباب مصر فى تطوير دائم ولهذا فهو يفاجئنا دائماً بكلمات أغانيه التى تصل لكل المحبين الذين يشعرون بأنه يعبر عنهم ويجسد على أرض الواقع ما يعيشونه بالفعل من قصص حب، ليس هذا فحسب بل إنه يمتلك القدرة أيضاً على أن يجعلنا نعيش معه فى حالة حب دائم خاصة أن أغانيه تمثل بشكل حقيقى العشق والوداع والفراق، لدرجة أننا يمكننا أن نعتبره "ساحرا" لا يتوقف عند نجاح أو يرضى بأى تألق، بل إنه كالشهب الملتهب المنير لا تطفئه رياح بل تزيده قوة وصمودا وتحديا، فهو ببساطة شديدة حريص دائماً على النجاح وعلى احترام جمهوره، وبالتالى فهو يجنى باستمرار حب هذا الجمهور له، وحينما أكتب عن هذا التميز والتألق الفنى الذى يصنعه لنا جيل الكبار، فإننى لابد أن أشير إلى «الكينج» أو الفنان محمد منير، هذا النجم الأسمر الذى لم يكمن تميزه فى صوته العذب فقط، بل إنه يتميز أيضًا بملامح وجهه التى تنم عن شخصية ثرية تختزل حضارات مصر التى انصهرت فى وجوه أبناء الجنوب الطيبين، فمحمد منير حقق شهرته ونجوميته من كونه يقدم فنًا خارج المألوف، فقد عُرف منذ بداياته الأولى بأدائه التلقائى، والخارج عن آداب الأداء المعروفة والمعتادة من المطربين وهم على خشبة المسرح، فلم يشاهده أحد قط مرتديًا بدلة، أو وهو يقف ثابتًا أمام الميكروفون، حيث يغنى بحركاته العصبية، ولهجته الهجين بين القاهرية والأسوانية، كما أن ارتباطه بأشعار الصف الأول من شعراء العامية المصرية، وقواميسهم المغايرة الخالية من النبرة الرومانسية التى سادت منذ أواخر القرن التاسع عشر، وموسيقاه المنفصلة عن الطرب الكلاسيكى، جعلاه يحظى بإعجاب الشباب، بل استطاع أن يخطف أنظار جمهور المهرجانات، ولم يتوقف عطاء محمد منير عند هذا الحد فى الداخل، بل صار نجمًا مهمًا فى الخارج، وأصبح له جمهوره الخاص الذى ينتظر حفلاته على الرغم من كونه مطربًا مصريًا يغنى أغنيات مستوحاة من نبض ووجدان الشارع، كما يستحضر فى الكثير منها روح الحضارة التى ربما تكون نابعة من داخله كونه أحد أبناء الجنوب فى منطقة النوبة، تلك البقعة الغنية بالإبداع، نظرًا للطبيعة الخاصة التى تتمتع بها تلك المنطقة، ولنا فى حفلات «الكينج» فى ألمانيا خير دليل على نجوميته خارج الحدود.

 

لكن رغم كل هذا يبقى السؤال قائما ومحيرا: لماذا لم تعد أغانى هذا الجيل تتمتع بالقدرة على البقاء؟ ولماذا لا تبقى فى الذاكرة كما اعتدنا من كبار المطربين، الذين تربى وجداننا على أغانيهم من أصحاب الحناجر الذهبية؟ فأغانى الحب التى نسمعها الآن سرعان ما تختفى وتزول وكأنها فقاعات هواء تظهر ثم تتلاشى فجأة فى نفس اللحظة، وتصبح هى والعدم سواء، خاصة أنها غير مفهومة من الأساس.