فوجئنا في الآونة الأخيرة بالضجة التي أحدثها روبوت المحادثة شات جي بي تي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في

الصحة,النوم,السرطان,الصحة العالمية,اليوم,وفاة,مواقع التواصل,الأدوية,فقدان,اكتشاف

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
سامر رجب يكتب: المجال الطبي وثورة الذكاء الإصطناعى الحقيقية

سامر رجب يكتب: المجال الطبي وثورة الذكاء الإصطناعى الحقيقية

فوجئنا في الآونة الأخيرة بالضجة التي أحدثها روبوت المحادثة "شات جي بي تي"، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي في الإجابة عن أسئلة المستخدمين بطريقة إبداعية، وثار على مواقع التواصل الاجتماعي جدل واسع حول قدراته المذهلة في محاكاة أساليب البشر، الأمر الذي أظهر روبوتات المحادثة وكأنها أقصى إنجاز حققه الذكاء الاصطناعي في تاريخه .

في الواقع، إذا أردت أن تعرف إنجازات الذكاء الاصطناعي الحقيقية، فدعك من تلك الضجة، وتعال نخبرك كيف أحدثت برامج "الذكاء الاصطناعي" ثورة حقيقية في مجالات الطب.

يحتوي الحمض النووي الموجود في نواة الخلايا البشرية على المعلومات الضرورية لتشكيل البروتينات في الجسم، وهي تشبه خريطة وراثية تحتوي على نحو 20 ألف بروتين تُشكِّل في مجملها لبنات البناء الأساسية للكائنات الحية.

في عام 2021، استُخدمت تقنيات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بهياكل الغالبية العظمى من بروتينات جسم الإنسان. كان هذا حدثا ثوريا، نظرا لأن فهم أشكال البروتينات أمر بالغ التعقيد والصعوبة وبالتبعية التكلفة، على أهميته الشديدة في تطوير واكتشاف العقاقير الجديدة، مما قد يساعد في علاج كثير من الأمراض التي عجزنا حتى اليوم عن إيجاد دواء مناسب لها.

للتوصل لتلك النتائج، استخدم العلماء برنامج الذكاء الاصطناعي الجديد "ألفافولد" (Alphafold) للتنبؤ بهياكل 58% من الأحماض الأمينية المكونة للبروتينات البشرية، وفي النهاية تمكَّن البرنامج من التنبؤ بهياكل 350 ألف بروتين مكوِّن لأجسام البشر والكائنات الحية الأخرى، الأمر الذي يُعَدُّ أهم مساهمة للذكاء الاصطناعي في تطور الطب حتى يومنا هذا.

تعتمد برامج "الذكاء الاصطناعي" مثل "ألفافولد"، الذي طورته شركة "ديب مايند"، على "التعلم الآلي"، إذ يجري استخدام خوارزميات ونماذج رياضية وبيانات تجعل تلك البرامج قادرة على التعلم بشكل يشبه البشر، وبالتبعية تطوير معارفها ذاتيا.

- اكتشاف علاج لسرطان الكبد في 30 يوما :

لم يكن التنبؤ بهياكل البروتينات هو العمل الثوري الوحيد لبرنامج الذكاء الاصطناعي "ألفافولد"، ففي يناير/كانون الثاني الفائت، نشرت مجلة "علوم الكيمياء" (Chemical science) البحثية دراسة فارقة قد تبشر ببدء حقبة جديدة في عالم الصناعات الدوائية، وذلك بعدما تمكَّن البرنامج من اكتشاف عقار جديد مرشح بقوة لعلاج سرطان الخلايا الكبدية.

يُعَدُّ سرطان الخلايا الكبدية (HCC) أكثر أنواع سرطان الكبد شيوعا، ويحتل المركز الثالث على قائمة وفيات السرطان بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية عام 2020، بعدما تسبب في وفاة 830 ألف شخص حول العالم، وهو عدد كبير لا يفوقه سوى وفيات سرطان الرئة التي تجاوزت المليون ووفيات سرطان المستقيم التي تجاوزت 900 ألف حالة.

تُعَدُّ هذه الدراسة هي أول تطبيق عملي لبرنامج الذكاء الاصطناعي "ألفافولد" في مجال صناعة الأدوية؛ إذ استُخدم البرنامج لفحص سرطان الخلايا الكبدية لبحث نقاط ضعف تلك الخلايا، التي بمجرد اكتشافها يعمل برنامج آخر على تحديد البروتين الخاص بالعلاج، وعن طريق التنبؤ بهيكل هذا البروتين من خلال ألفافولد، تصبح عملية توليد الجزيئات العلاجية الخاصة بهذا البروتين أمرا سهلا، ينقصه فقط الخضوع للاختبارات البيولوجية، ومن ثم مرحلة التجريب على البشر.

عادة ما تستغرق عملية اكتشاف دواء جديد وتطويره أكثر من عقد من الزمان، لكن الدراسة الأخيرة توضح كيف يمكن للذكاء الاصطناعي تسريع عملية اكتشاف الأدوية الجديدة واختزال سنوات البحث، بعدما تمكن "ألفافولد" من المساعدة في تطوير علاج تجريبي لسرطان الخلايا الكبدية في غضون 30 يوما فقط.

- الكشف المبكر عن سرطان الثدي :

لم يكن سرطان الخلايا الكبدية (HCC) هو المرض الخبيث الوحيد الذي أظهر فيه الذكاء الاصطناعي نتائج واعدة، إذ استُخدمت البرامج الذكية مؤخرا في الكشف المبكر عن سرطان الثدي، الذي اشتهر لسنوات طويلة بصعوبة التنبؤ به، مما تسبب في معاناة آلاف السيدات اللواتي بدأن العلاج بعدما فات الأوان.

كانت البداية عندما شُخصت ريجينا بارزيلاي بسرطان الثدي عام 2014، وهي باحثة في مجال الذكاء الاصطناعي، لكن التشخيص جاء متأخرا للغاية، الأمر الذي جعلها تخشى فقدان حياتها وتتساءل عما سيحدث لطفلها بعد ذلك. سيطرت على ريجينا حينها رغبة قوية في أن تُجنِّب العديد من السيدات تلك التجربة الصعبة، وسعت بكل جهدها لتطوير نظام قائم على الذكاء الاصطناعي بإمكانه ليس فقط الكشف المبكر عن سرطان الثدي، ولكن التنبؤ إذا ما كان المريض معرضا للإصابة بالمرض في غضون السنوات الخمس القادمة.

تلك التكنولوجيا الواعدة أصبحت قادرة اليوم على إنقاذ آلاف الأرواح، بعدما تمكن برنامج للذكاء الاصطناعي من استخراج الأنماط الفريدة التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالمرض. جاء ذلك بعد تزويد البرنامج بالبيانات اللازمة من السجلات الطبية للمرضى وآلاف الصور الشعاعية للثدي، حتى أصبح قادرا على فهم الملاحظات التشخيصية المبكرة للمرض، والأكثر من ذلك التنبؤ بالأنماط الخاصة باحتمالية الإصابة المستقبلية.

 - الطب النفسي : ولا يقف الأمر عند حدود البروتينات، بل يمتد إلى تشخيص أعقد الأمراض، مثل الأمراض النفسية التي يتطلب تشخيصها مجموعة من المعلومات الذاتية والمتغيرة، مثل الحالة المزاجية وأنماط النوم ومقدار النشاط اليومي، وغير ذلك من المعلومات التي يصعب رصدها بدقة وتجعل عملية التشخيص تعتمد في جزء كبير منها على خبرة الطبيب. الصعوبة نفسها يواجهها الطبيب النفسي عند التكهن بالنتيجة المحتملة للتدخلات التي يقوم بها، مثل وصف دواء معين أو نظام غذائي أو بدء تدريب نفسي ما. الأمر الذي يشبهه الطبيب النفسي الاستشاري أليكس ديمتريو بالتكهن بتغيرات الطقس، مشيرا إلى أن علم النفس يعتمد بشكل أساسي على معرفة الأنماط، سواء أنماط السلوك البشري أو نمط المرض النفسي ذاته، والقدرة على متابعة تلك الأنماط ورصدها هي التي تُمكِّن الطبيب من عمل تشخيص دقيق للمرض

كل شيء في حياتنا يعتمد على نمط معين، فالطريقة التي نصنع بها قهوة الصباح مثلا تُعَدُّ نمطا، والخطة التي نضعها قبل البدء في مشروع هي الأخرى تتبع نمطا، الأمر يشبه إلى حدٍّ كبير الرسم الذي يضعه المهندس المعماري قبل البدء في البناء، وهنا يكمن سحر استخدام الذكاء الاصطناعي في تشخيص الأمراض النفسية.