يجب أن تكون حياتنا قائمة على المحبة والمودة لا الخصومة والاختلاف لكن مع أزمات الحياة تقع الخصومة أحيانا و

الأرض,عمرو

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
السيد خير الله يكتب: إذا خاصموا فجروا

السيد خير الله يكتب: إذا خاصموا فجروا

يجب أن تكون حياتنا قائمة على المحبة والمودة لا الخصومة والاختلاف، لكن مع أزمات الحياة تقع "الخصومة" أحيانًا، وعندها يجب أن تكون بشرف، فللخصومة مواثيق شرف لا يعرفها إلا الفرسان. نعم، فى الفروسية أخلاقيات وأصول وشرف، فلا يجوز الطعن من الخلف فمن طعن من الخلف فهو ليس بفارس وليس لديه أخلاق الفروسية، ومن أخلاقياتها أيضًا أن الفارس إذا سقط على الأرض أصبح فى ذمة أخيه وإذا سقط منه سيفه أصبح أيضًا فى ذمة أخيه فلا يقربه ولا يؤذيه ولا يهينه.

ورغم أن "الثأر" فى الأرياف لا سيما الصعيد أمر مذموم، فإن هناك عدة ضوابط كانت تنظمه، فلا يجوز استهداف الخصم فى جنازة أو من الخلف أو أثناء وجوده مع النساء والأطفال. حتى فى الجاهلية، كان لديهم "شرف الخصومة"، فقد كانت من ثوابت القيم العربية فى الجاهلية والإسلام، فقد رفض أبو جهل أن يُكسر الباب فى محاولة قتل الرسول عليه الصلاة والسلام وقال قولته المشهورة: "لا تتحدث العرب أن أبا الحكم عمرو بن هشام رَوع نساء محمد". للأسف، يوجد الآن بعض الأشخاص لا يحترمون "شرف الخصومة"، هم ألد الخصام، إذا "خاصموا فجروا"، يستخدمون كل أدواتهم الخبيثة للتشويه والنيل من الطرف الآخر، يتناسون "العيش والملح"، كذاكرة السمك، فبمجرد أن تختلف معهم تكون مستعدًا لتلقى سهامهم نحوك، يفضحون أسرارك، ويرمونك بالإفك، ويحرفون الحقائق، ويتناسون كل موقف أو جميل قدمته لهم، وكأنهم أشخاص آخرون غير هؤلاء الذين كنت تعاملهم من ذى قبل، لتتوالى الصدمات عليك. علموا أولادكم، أن الحياة قصيرة، والدنيا تسع الجميع، فلا داعى للتناحر والاختلاف والخصومة، لكنها إذا حلت، يجب أن تكون بشرف، وأن الفجور فى الخصومة يدمر المجتمعات والأجيال القادمة، التى لن ترى للقيم معنى، فالتربية على القيم يجب أن تتم بالمعايشة والمشاهدة والملاحظة، وليس بالوعظ والتلقين أو بالقراءة، فدربوا أبناءكم على "شرف الخصومة" إذا أجبرتوا عليها، حتى تعود لمجتمعنا "أخلاقه الجميلة" . ومن عجيب لفظ القرآن أن الله تعالى ذكر أحيانًا النفاق صراحة، وأحيانًا يذكر مرض القلب. ويطبّق على هذين المصطلحين ما يطبق على الإيمان والإسلام، من حيث معنى كل منهما، وأنهما إذا افترقا اجتمعا وإذا اجتمعا افترقا. بمعنى أنهما إن ذكرا فى سياقين مختلفين فلهما المعنى نفسه، وإن ذُكرا فى سياق واحد فلكلٍ معناه، والنفاق ومرض القلب كذلك، ومن الفروق بينهما حين يجتمعان كما فى قوله تعالى: "وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِى قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا" (الأحزاب، 12)، أن النفاق هو المعروف اعتقاديًا، بينما مرض القلب أقل منه، ولكنه فى حكمه من حيث أنه خطوة متقدمة من المرض يوشك أن يفتك بصاحبه. ومن هنا نحذر أنفسنا ألا نستهين بهذه الصفات التى بيّنها رسولنا صلى الله عليه وسلم، فهى أمراض تستحكم وربما تقود صاحبها فى النهاية إلى النفاق الخالص، وأعود إلى إحدى هذه الخصال وهى الفجور مع المخاصمة. ومن معانى الفجور ما قال الجرجانى: "هو هيئة حاصلة للنّفس بها يُباشر أمورًا على خلاف الشّرع والمروءة". وقيل الفُجُور بمعنى الانبعاث فى المعاصى والتوسع فيها؛ وقيل الميْلُ عن الحقِّ إلى الباطل، وقيل اسم جامع لكلِّ شرٍّ، أى: الميْل إلى الفساد، والانطلاق إلى المعاصى، وهى كلها معانٍ خطيرة تكاد تعصف بصاحبها.

ونلحظ ارتباط الفجور هنا بالخصومة، وذلك أننا بشر يُتوَقّع منا الخلاف والجدال وقد يتقدم إلى مراحل إما لقلة الإيمان أو لغياب الحكمة والعقل أو لوسوسة الشيطان وإلقائه العداوة والبغضاء فى النفوس، فإن حصلت الخصومة فإن هذا الشخص يفجر. صحيح أنه ربما أراد النبى صلى الله عليه وسلم التنفير من الخصومة أساسًا، ولكن المحذور الأكبر هو أن يفجر أحد المتخاصمين، فيبدأ بالشر وينحاز إليه وينسى قيم الفضيلة كلها؛ فقد نفخ الشيطان فيه وتلبسه فلا ينطق إلا بشرّ، وربما ينطق بكفر.

أذكر مرة فى أحد أحياء عمّان، وكنت عند زميل لى، كيف أنه اجتمع أقرباؤه للتداول فى شأن دهس قريب لهم أصيب إصابة خفيفة، لكنهم أرادوا تسجيل موقف كما هى العادة، وجاء كبير القوم ليحضِّروا ما سيقولونه للمتسببين فى الحادث، وكان رجلًا كبيرًا يبدو عليه الوقار. وما هى إلا لحظات حتى بدأ الغضب يملأ عروقه ووجهه، وتلفظ بألفاظ الكف، وبعد التهدئة والملامة قلت فى نفسى: سبحان الله، هذا حكيم القوم فكيف بسفيههم؟ هو يريد أن يسجل موقفًا ابتداءً أنه لا يتنازل عن حقه، صحيح هذا، ولكن أين الحكمة والذوق والأدب؟ وأين الدين الذى ينبغى أن يملك على المسلم مشاعره وأحاسيسه وتصرفاته؟ فإن لم يكن أحدنا مرتبطا بالله تعالى، فلا قيمة له.. وإلى مزبلة التاريخ.