الكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت لن تعود وإذا خرجت في غير موضعها فربما تجرح أو تقتل أو تصم أو تدمي فأثر الكلمة لي

سلاح,الأرض,ضبط

رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
حسام فوزى جبر يكتب: بين كلمات الرصاص ورصاص الكلمات

حسام فوزى جبر يكتب: بين كلمات الرصاص ورصاص الكلمات

الكلمة مثل الرصاصة إذا خرجت لن تعود، وإذا خرجت في غير موضعها فربما تجرح أو تقتل أو تصم أو تُدمي فأثر الكلمة ليس له حدود في حياتنا وفي حياة الأمم، فالكلمة الطيبة قد تسمو بالإنسان والكلمة الخبيثة قد تسخطه، يبقي أفضل الكلام هو كلام الله في كتابه العظيم والذي يخرج العباد من الظلمات إلى النور، ومن المعلوم أن الكلام الخبيث لا يخرج إلا من شياطين الإنس والجن الذين يجتهدون في كلمات قد تُشهرهم في الدنيا وتفقدهم تلك الدنيا قبل أن تُفقدهم الآخرة كأولئك الذين يحاولون بكلمات خبيثة أن ينالون من ثوابت الدين ومن أجّل وأسمي العبادات لا لشيء إلا البقاء في دئرة الضوء وصنع المجادلات التي لا فائدة لهم منها إلا الشهرة وجني الأموال متناسين الآخرة والحساب، وهم في النهاية لا شيء وكلماتهم إلي زوال، ويقول المولي عز وجل عن مثل هؤلاء "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار"، ولأنهم لا يستحقون ذكرهم فلن أتحدث عنهم وسأتناول في مقالي بعضًا من معاني وأبعاد الكلمة وكيف يمكن أن تُميت قلبًا أو تفتح له املًا في حياة.

 

الكلمات تتشابه كما البضائع ولذلك علينا التحري في اختيار الكلمات الطيبة الناضجة ذات المذاق الطيب والرائحة العطرة الجاذبة، وانتقائها بتريث قبل التفوه بها، وكالعادة نجد أن النبي المختار قد سبقنا بأكثر من 1400 عام ليعلمنا في قوله في الحديث الشريف: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يهوي بها في نار جهنم، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يلقي لها بالا يرفعه الله بها في الجنة"، في حديث حثنا فيه علي حسن الكلام وإختيار كلماتنا بعناية ومن البشر من لا يعلم أو ربما يُظهر أنه لا يعلم -رغم الوضوح- أنّ الكلمات كالرصاصة لا تُسترد، فإن خرجت إما أن تكون في مكانها وزمانها ووضعها المناسب فيؤجر الإنسان عليها، وبكل أسف كثيرًا ما تنطلق لتخرج في الوقت والزمان والمكان غير المناسب والشخص الذي لا يستحق ذلك القتل، فتصيبهُ في المقتل مما لا يدع مجالًا للإصلاح لأن الجرح غائر بل قاتل ومميت، وقد يُفرغ فيك أحدهم في لحظة غضب ذخيرته من الكلام الذي يفاجئك بأذاه، مُظهرًا ما حمله لك في صدره من ضغينة، واضعًا حدًا ربما يكون نهائيًا لعلاقة تربطك به، لتصبح قمة مهارة الإنسان في تعلمه بيان تركيب الكلمات ووضعها في نصابها الصحيح، ولإنشاء جمل ذات مغزي وبيان، علي النحو الذي يُرضي الله ثم البشر، فكلمة واحدة كفيلة بأن تنهض بك وكلمة أخرى كفيلة بجعلك تسقط وتتهاوى، فالكلمة الطيبة تقرب البعيد وتيسر الصعب وتفتح نوافذًا وأبوابًا موصدة وتوصل لغايات لم يكن الوصول إليها إلا بشق الأنفس وعلي العكس فالكلمة السيئة الرديئة تكسر القلب وتصم الآذان وتشعل النيران وتوغر الصدور وتفرق الأحبة وتجلب الكره والبغض وثير الضغائن والأحقاد وتُذهب الألفة والسلام.

 

فالكلمات كالنبت الذي نستودعه في قلوب الناس بل وهي الجسور التي نبني بها ونُكون من خلالها العلاقات، وهي التي تعبر بالروح ببساطة إلى الأرواح من حولنا فإما أن تزهر داخلها وإما أن تُحرق وتحترق، وهناك أشخاص من مطلقي الكلمات السلبية وحاملي لواء كسر الخاطر تستطيع تجاوزهم ببساطة لكونك لا تلتقيهم إلا مرات معدودة في حياتك فتستطيع أن تتجاهلهم لساعات بسيطة ولكن تكمن المشكلة حين يكون هذا الشخص من المفروض أن يرافقك العمر كله فإنك لن تستطيع المواصلة برفقته مهما كلفك الأمر، فإن آثار ما يُسمي العنف اللفظي أشد وأكبر بكثير من الألم الذي يحدث بعد عنف جسدي مرت عليه أيام أو شهور إنك لا تدري أين تذهب بك كلماتك وأين تذهب بمن حولك، إنك قد تنطق بكلمة واحدة فيتلقاها قلب يشعر بصدقها والحب المغلف بها فيتغير لديه ما لا تتوقعه أنت، وإنك قد تنطق بكلمة واحدة في ساعة غضب فتهدم بها جدار قلب يحبك، وتحرق مدينة كاملة مُسجلة بإسمك داخل روح من تحب، لذا عليك أن تشعر بأهمية الكلمة وقوتها وقيمتها ولتكن مؤمنًا بأن الكلمة اللطيفة والجميلة الهينة اللينة مصحوبة بنبرة حانية مهمة للغاية، فمتى ما كانت صادقة وهادئة وعميقة أصابت قلب من قصدته دون إذن، ولذلك لا تستخسر أن تقول كلامًا جميلًا وطيبًا ومهذبًا لمن تحب وللعالم من حولك فبه لن تخسر أبدًا بل ستربح وتكسب قلوبًا لا تتوقع أنك استطعت أن تكسبها بسبب كلامك اللطيف والطيب، وتذكّر دائمًا أن قوة الكلمة أكبر بكثير مما تظن وأن كلمة واحدة فقط كفيلة بحياة أو موت.

 

إن الكلمة الطيبة إذا خرجت من قلب صافٍ صادق أضاءت المكان وغيرت الحياة وفعلت فعلها النبيل ولذلك علينا أن نحصن ألسنتنا من موبقات الكلام ونلجم كلماتنا قبل أن تخرج من أفواهنا فإنها كالرصاص إن خرجت من أفواه البنادق فإنها لا تعود، فالكلمة سلاح خطير يجب التعامل معه بعناية وحذر حتى لا تقتل أو تجرح أو تنتج ندمًا يدمي القلب فالإنسان العاقل يتدارك كلامه قبل أن ينطقه أو يتفوه به، ولنعترف ونتعامل مع أن بعض الكلام يضر أكثر مما ينفع ويؤذي أكثر مما يفيد ويزيد الهم والغم ويؤدي للحزن، وعليه يجب وزن الكلام قبل نطقه بميزان القلب والعقل والحكمة، فللكلام فضائله إذا جاء متناسبًا مع المقام هادفًا ومفيدًا لكنه عكس ذلك إذا كان مجرد لغو وطعن وثرثرة، حافظوا على كلامكم وزنوه بالميزان الدقيق دققوا وتبينوا وتخيروا قبل أن تتلفظوا، فإن كل الكلام يحصى ويكتب في الصحائف فإن كان خيرًا فهو لصاحبه خير، وإن كان شرًا فهو على صاحبه مقت وشر، وادئمًا تذكر أن الكلمة كالرصاصة إذا خرجت لاتعود، فإجعل كلماتك كالكتابة بالرصاص إن أخطأت فيها يسهُل محوها، فمابين كلمات الرصاص ورصاص الكلمات ضبط النفس.