الدراما الفاسدة تشكل سلوكيات الشباب وتنشر الانفلات الأخلاقى فى المجتمعمواقع التواصل الاجتماعى تتوحش وتستحوذ

تصوير,الإسماعيلية,مواقع التواصل,الأدوية,النائب العام,النيابة,مقتل,محكمة,المستشار,فقدان,الإعلام,يوم,الأولى,المواطنين

الثلاثاء 23 أبريل 2024 - 16:11
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
رئيس مجلسى الإدارة و التحرير
محمود الشويخ
رئيس مجلس الأمناء والعضو المنتدب
محمد فودة
د. ياسمين الكاشف تكتب:  حادث الإسماعيلية الدموى.. الوجه القبيح لجرائم العنف

د. ياسمين الكاشف تكتب: حادث الإسماعيلية الدموى.. الوجه القبيح لجرائم العنف

◄الدراما الفاسدة تشكل سلوكيات الشباب وتنشر الانفلات الأخلاقى فى المجتمع

◄مواقع التواصل الاجتماعى تتوحش وتستحوذ على الدور التربوى للأسرة

◄المجتمع افتقد القدوة التى تحث على نشر الأخلاق الحميدة واحترام الكبير

 

لم تكن الجريمة التى أفجعت قلوب المواطنين فى محافظة الإسماعيلية حينما قام شخص بذبح آخر وفصل رأسه عن جسده، وتجوله بين المارة حاملاً الرأس المقطوع فى يده وقطرات الدماء تتساقط منها - مجرد مقطع فيديو بشع تناقلته مواقع التواصل الاجتماعى وإنما كانت بمثابة ناقوس خطر حقيقى بشأن انتشار ظاهرة العنف والجريمة التى زادت فى الفترة الأخيرة داخل المجتمع المصرى.

هذا الأمر يستوجب البحث والتدقيق فى الأسباب التى كانت وراء ظهور حالات ومظاهر العنف غير المبررة فى المجتمع، ودراسة تلك المبررات التى جعلت البعض يتخلى عن العادات والتقاليد حتى أصبح العنف أمرا طبيعياً، وبالتالى بات معتاداً أن الخلاف بين الناس يتحول بسهولة ويسر إلى عنف وشيئاً فشيئاً بدأت الناس تتخيل أعمال عنف فوق مستوى التخيل، وذلك نتيجة لضغوط كثيرة، وهذا ما شاهدناه فى جريمة الإسماعلية التى تعد جريمة بشعة فوق مستوى التخيل من أى شخص فى المجتمع المصرى.

وفى تقديرى الشخصى فإن الإعلام السيئ والمسلسلات والدراما غير النظيفة أصبحت آلية من آليات التدريب على العنف.. ليس هذا فحسب بل إن هذا النوع من الدراما صار مصدراً أساسياً لخلق مجتمع أكثر عنفا، والدليل على ذلك عندما تناقش القائمين على الأعمال الفنية يدعون أنهم يرصدون الواقع ولكن هذا غير صحيح لأنهم فى حقيقة الأمر يخلقون واقعا جديدا على الرغم من أن جميعها أعمال غير موجودة فى المجتمع ولا تمثل المجتمع الواقعى، وأدى إلى تصديق هذا الواقع من بعض الناس، كل هذه الأمور تؤدى إلى التعود على العنف ثم يمارسونه بحجة أنهم شاهدوه فى التليفزيون والسينما.

وفى هذا الشأن يرى علماء النفس أن أى شخص يقع تحت انفعال معين يمكنه الإقدام على ارتكاب جريمة دون أن يشعر، وبالنسبة للجرائم البشعة فإن المواد المخدرة هى العامل الأول فيها ويكون الشخص مدمنا للمخدرات والبانجو الذى يقوم بسلب العقل تماما ويقوم بالجريمة دون أن يشعر أو فقدان الإحساس، خاصة أنه فى الفترة الأخيرة أصبح مظهر الرجولة لدى الشباب الآن "العرى، القوة، إظهار العضلات"، وكل هذه السلوكيات تولد عنفا جديدا فى المجتمع.

والمؤسف حقاً فى هذا الأمر أن الأسرة فقدت دورها وسط الصراع من أجل مكاسب العيش، بالإضافة إلى توغل شبكات الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعى فى المنازل والمقاهى وفى الهواتف المحمولة أيضا، وأصبح التليفزيون ومواقع التواصل الاجتماعى هى التى تقوم بالتربية .

هذا الأمر يتطلب التقليل من حالة العنف فى الدراما وإعادة المسئولية الاجتماعية فى الدراما، خاصة أن انعدام القيم الإنسانية فى المجتمع سواء أخلاقية أو دينية والتى بدأت تقل بشكل كبير مؤخرا، وانتشار الأدوية المخدرة وتأثيرها على الشباب والكبار أدى إلى ظهور حالات العنف والجريمة التى نشاهدها فى الشوارع والمدن خلال الفترة الأخيرة.

وبقراءة متأنية فى أجواء حادث الإسماعيلية نتأكد أن ما حدث يعد بحق جريمة بشعة لا يقوم بها إنسان طبيعى وإنما هذا الفعل لا يكون إلا من شخص مريض نفسى بالدرجة الأولى لا يشعر بما يقوم به، ولكن للأسف الشديد نحن لدينا ثقافة فى المجتمع تقول إن الشخص الذى يذهب إلى مستشفى الأمراض النفسية يوصف بـ"المجنون" أو وصمة عار على الرغم من أن العلاج أصبح ممكنا وبمجرد التزام المريض بالعلاج يعود شخصا طبيعيا مرة أخرى ولكن مازالت ثقافة المجتمع لم تتغير، ولا تتحرك الأسرة التى يوجد فى أحد أفرادها مريض نفسى إلا إذا تغير سلوكه وأصبح عدوانيا يهدد الأسرة.

لذا فإنه يمكننى القول إن المجتمع افتقد القدوة التى تحث على نشر الأخلاق الحميدة واحترام الكبير والالتزام بالآداب العامة، وأصبح الشباب والأجيال الجديدة فى المجتمع للأسف يتخذون الفنانين نماذج لهم، وخاصة الفنان البطل الذى يمارس العنف والقوة حتى ولو كان على خطأ مستخدماً القتل والبلطجة وسيلة لتحقيق أهدافه ، وخاصة فى الأعمال التى لا تقدم رسالة إيجابية للمجتمع ولا تقدم قيمة إنسانية ولا تزرع قيما مثل أن أحترم الضعيف والكبير ولكن تزرع كيف تكسب الأموال وتقتل، وأصبح القدوة "الفهلوى" وهذا المثال الذى يوضع  فى ظل أن وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعى لديها القدرة على تغيير سلوك وتفكير المجتمعات، وطبيعة الكلام والتصرفات الموجودة فى المسلسلات مثال "إفيهات الأفلام ,البطل، استايل الملابس، قصات الشعر"، كلها يتم تقليدها من قبل الشباب.

نحن بالفعل نحتاج إلى زراعة القيم مرة أخرى فى المجتمع، ونذكر الناس بدينها سواء إسلامى أو مسيحى، بالإضافة إلى تغيير ثقافة المجتمع أنه عندما يكون هناك مريض نفسى فى الأسرة لابد من الإسراع  بعلاجه وأن هذا المرض النفسى ليس وصمة عار ويمكن علاجه وكلما كان فى المرحلة الأولى من المرض كان أفضل.

وفى ختام مقالى فإننى أشيد بالتحرك السريع من النيابة العامة المصرية للتعامل مع الحادث، ففور وقوعه أمر النائب العام بسرعة إنهاء التحقيقات فى واقعة مقتل مجنى عليه وإصابة اثنينِ آخرَينِ فى الطريق العام بالإسماعيلية، وعليه انتقلت النيابة العامة لمسرح الحادث وعاينته وتحفظت على المقاطع المصورة للواقعة من آلات المراقبة المثبتة بالحوانيت المطلة عليه، وناظرت جثمان المجنى عليه وتبينت ما به من إصابات. 

وسألت النيابة العامة المجنى عليهما المصابيْنِ وخمسةَ شهود آخرِينَ فتوصلت من حاصل شهادتهم إلى اعتياد المتهم تعاطى الموادِّ المخدِّرة، والتقائه يومَ الواقعة بالمجنى عليه، حيث دار بينهما حوارٌ لدقائق انتهى بارتكاب المتهم جريمته، وأفصح للمارَّة خلالَ اعتدائه على المجنى عليه عن وجود خلافات سابقة بينهما ليتراجعوا عن الذَّوْد عنه، ثم تعدى على اثنينِ من المارَّة أحدهما على سابق علاقة به، فأحدث بهما بعض الإصابات وحاول الفرار من محلِّ الواقعة إلا أن الأهالى طاردته حتى تمكنت من ضبطه. وباستجواب المتهم فيما نُسب إليه من قتل المجنى عليه عمدًا مع سبق الإصرار والترصد واقتران تلك الجناية بجنايتى الشروع فى قتل المصابيْنِ الآخرين، أقرَّ بارتكابه الواقعة وتعاطيه موادَّ مخدِّرة مختلِفة صباحَ يوم حدوثها وحدد أنواعها، وعلى هذا أمرت النيابة العامة بحبسه احتياطيًّا أربعة أيام على ذمة التحقيقات، وقررت اتخاذ الإجراءات اللازمة بيانًا لمدى صحة وسلامة حالته النفسية والعقلية لما تردد بخصوص هذا الشأن على خلاف ما ظهر من اتزان المتهم خلال التحقيقات وإعادة تمثيله ومحاكاته كيفية ارتكابه الواقعة.

عقب ذلك أمر المستشار النائب العام بإحالة المتهم بقتل آخر ذبحًا عمدًا بالإسماعيلية والشروع فى قتل اثنين آخرين إلى محكمة الجنايات المختصة فى محاكمة جنائية عاجلة؛ لمعاقبته عما نُسب إليه مما تقدَّم، وكذا تعاطيه موادَّ مخدِّرة، وإحرازه أسلحة بيضاء -دون مُسوِّغ قانونى- فى أحد أماكن التجمعات بقصد الإخلال بالنظام العام.

ذلك بعد أن أقامت النيابة العامة الدليل قِبَلَ المتهم من شهادة المجنى عليهما المصابيْن وعشرة شهود آخرين وما أسفر عنه اطلاعُها على مقاطع تصوير الجريمة، وتعرفها على المتهم بها، فضلًا عن إقرار المتهم تفصيلًا بارتكابه الجرائم المنسوبة إليه، وما ثبت بتقرير مصلحة الطب الشرعى بجواز حدوث الواقعة وفْقَ التصوير الوارد فى التحقيقات واحتواء نتيجة التحليل الخاصة بالمتهم على مُخدِّر سبق أن أقرَّ بتعاطيه وحدَّد نوعه فى التحقيقات، فضلًا عن نوع آخر.

كما ثبت بتقرير إدارة الطب النفسى الشرعى الصادر عن المجلس الإقليمى للصحة النفسية من خلوّ المتهم من أى أعراض دالة على اضطرابه نفسيًّا أو عقليًّا مما قد تفقده أو تنقصه الإدراك والاختيار وسلامة الإرادة والتمييز ومعرفة الخطأ والصواب، وذلك سواء فى الوقت الحالى أو فى وقت الواقعة محل الاتهام، مما يجعله مسئولًا عن الاتهامات المنسوبة إليه.